حيـن تُصبـح الحرفـة وسيلـة للتعافـي

🧵تجربة من مشاعل فقيه عن كيف تتحوّل الحِرفة إلى مساحة للشفاء

في عام 2025، أعلنت المملكة العربية السعودية، ممثّلة بوزارة الثقافة، أن هذا العام سيكون «عام الحرف اليدوية»؛ مبادرة تستهدف صون التراث، وتحفيز الاقتصاد الإبداعي، وتعزيز قيمة المهارات الحِرفية في المجتمع
لكن وسط هذه الأهداف المعلنة، ثمة فائدة لا تقل أهمية، وإن لم تُذكر صراحة: الأثر العميق للحِرف على الصحة النفسية
فالحرفة تتجاوز فكرة الإنتاج، هي لحظة ذهنية مختلفة، يُعاد فيها ترتيب الداخل، وتُستعاد مشاعر مثل التركيز، والهدوء، والرضا، وهي عناصر نادرة في نمط الحياة السريع

تشير مشاعل فقيه، المديرة التنفيذية لجمعية الحرف المهنية، في حديثها مع منسوج، إلى أن الحرفة اليدوية أصبحت أداة حقيقية للتعافي
ومن واقع عملها اليومي مع الحرفيين، تؤكد أن كثيرين منهم شاركوا تجارب شخصية، عبّروا فيها عن أن العودة للعمل باليد ساعدتهم على تجاوز فترات من القلق، وفقدان الشغف، بل وحتى الحداد، بالنسبة لهم، كانت الحرفة مساحة آمنة للتعبير، ومصدرًا حقيقيًا لاستعادة الشعور بالقيمة

هذا البُعد النفسي للحِرف تؤكده أيضًا دراسات علمية متعددة، ففي عام 2013، نُشرت دراسة بريطانية أظهرت أن 74٪ من المشاركين شعروا براحة واسترخاء نفسي بعد ممارسة الحياكة، كما سجّلوا انخفاضًا في التوتر، وتشتت الانتباه، واضطرابات الأكل

وقد فسر الطبيب هربرت بينسون، من جامعة هارفارد، هذا الأثر بأن الحركات المتكررة بإيقاع ثابت، كما في الخياطة أو التطريز، تُحفّز حالة ذهنية تشبه التأمل، ترفع من تركيز الذهن وتقلل من إفراز الكورتيزول، هرمون التوتر

في هذا السياق، كشفت دراسة من جامعة أوتاغو في نيوزيلندا (2016) أن ممارسة الأنشطة اليدوية الإبداعية مثل الحياكة أو الرسم أو الكتابة ارتبطت بارتفاع المشاعر الإيجابية لدى المشاركين في اليوم التالي مباشرة، وبدورها، أظهرت ورقة بحثية نُشرت في مجلة (أرتز أند هيلث) عام 2020 أن الخياطة ساهمت في تحسين جودة النوم وتقليل مستويات القلق، خصوصًا خلال جائحة كوفيد، حين برزت الحِرف اليدوية كوسيلة فعّالة للتأقلم النفسي

ويبدو أن لهذا التأثير تفسيرًا عصبيًا أيضًا، في علم الأعصاب، ثبت أن استخدام أكثر من حاسة في الوقت نفسه، كاللمس والتركيز البصري، يُعزز اليقظة الذهنية، ويطيل قدرة الدماغ على التركيز المستمر دون تشتت، ولا يخفى على أحد أن الانتباه أصبح عملة نادرة في هذا الزمن؛ فالاستهلاك السريع للمعلومات عبر الشاشات قلّل من قدرة الناس على الصبر، وأضعف التركيز، وأرهق الذهن. وفي هذا السياق، تبدو الحرف اليدوية وكأنها وسيلة علاجية نفسية ذهنية لمجتمع مثقل بالمحفزات اللحظية والانشغال الدائم

وفي قصة شخصية معبّرة، روتها إحدى المشاركات وتُدعى نسيلة، تبرز الأبعاد النفسية العميقة للحِرفة. بعد أن خاضت تجربة صناعة الخزف

:قالت نسيلة

رغم التردد، قررت أن أجرّب، لحظة ملامستي للطين كانت لحظة انتماء حقيقي، كأنني عدت إلى أصلٍ بداخلي، ومع كل قطعة كنتُ أشكّلها، كنتُ أشعر بأنني أُعيد ترميم شيء ما في أعماقي

نسيلة

في نهاية اليوم، حين ينظر المرء إلى قطعة خيطها بيده، أو تطريز أنجزه بخيط وإبرة، يكون أمامه تذكير داخلي بأننا قادرون على صناعة الجمال من البساطة، والمعنى من الصمت، في عالم سريع، متشظٍّ رقميّ، يغيب فيه الإحساس باللمس والتركيز، يصبح هذا النوع من الاتصال مع النفس، ومع المادة، ومع الزمن أكثر ندرة وأكثر قيمة

ولهذا، حين نتحدث عن دعم الحرف اليدوية، فإننا لا نستحضر فقط أبعاد التراث أو الاقتصاد الإبداعي، بل نلامس جوهر العافية الذهنية، أصبحت الحرفة اليوم طريقة للبقاء متصلًا، في عالم لا يهدأ

.هذه المقالة بدعم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) وصندوق التنمية الثقافي

📩أخبـار تهمـك

مصطلح اليوم

ما مُقابل «بقشة» في اللغة العربية؟

كيف كانت النشرة اليوم؟

Login or Subscribe to participate in polls.

فريق التحرير: غادة الناصر، سفر عياد، بلسم الغشام، هاجر مبارك، وجدان المالكي

منسوج، لكل ما يخُص قطاع الأزيـاء السعودي

Reply

or to participate.