ليش تسعير العلامات المحلية صادم؟

مع تطور صناعة الأزياء في السعودية وبروز العلامات المحلية بتصاميمها وجودتها، لا يزال التردد يرافق قرار الشراء لدى البعض، وتتكرر التساؤلات هل يستحق هذا المنتج المحلي السعر المطلوب؟ ولماذا لا تُؤخذ الجودة بعين الاعتبار كما نفعل مع العلامات العالمية؟ هذا المقال يحاول أن يتناول تلك الفجوة بين السعر والتوقع، ويعيد النظر في مقياس القيمة حين يكون المنتج سعوديًا، متسائلًا: متى نمنح صناعتنا ثقة تليق بها؟

التوقع السعري في ذهن المستهلك المحلي

لماذا حين يُذكر المنتج السعودي يتبادر إلى الأذهان فورًا السؤال عن السعر وكأن القيمة ترتبط فقط بالأرقام، لا بالهوية أو الجمال أو الجودة؟ لماذا يخضع كل ما يُنتج محليًا لمعادلة راسخة وهي (محلي = أرخص)

لا أعلم إن كانت هذه عادة متجذرة في مجتمعي، أم التعلق بكل ما هو أجنبي حتى وإن جاء ذلك على حساب جودة وجمال المنتج المحلي، فيكفي أن يُطبع على السلعة اسم علامة عالمية ليتم التغاضي عن أي خلل أو تراجع في جودتها، وكأن الاسم وحده كفيل بمنحها الأفضلية دون نقاش.

على الرغم من أننا نُنتج بجودة، ونصمم بذوق، ونحمل رسالة لكننا لا نحصل على التقدير الكافي، وهنا تكمن الفجوة بين ما ننتجه بإتقان وبين ما نمنحه من تقدير، ليصبح التحدي الأكبر ليس في جودة المنتج، بل في تغيير نظرة المستهلك له

هل تعكس الأسعار فعلاً جودة المنتج؟

في بعض الأحيان، نعم 

فالمنتج السعودي الجيد يمر باختبارات قاسية لا تُجريها المختبرات، بل يفرضها المستهلك نفسه ذلك الحَكم الصارم الذي لا يجامل ولا يرحم، تبدأ الرحلة من انتقاء دقيق للمواد الخام، مرورًا بتكاليف تصنيع مرتفعة، وأجور لأيدٍ عاملة مدربة وتحديات مستمرة في التصميم والتجريب لينتهي المطاف بمنتج يسعى ليكون انعكاسًا لذوق السوق المحلي وتطلعاته

!ورغم كل هذا الجهد، لا يغيب عن المستهلك تساؤله المشروع عن مبررات هذا التسعير

ففي ظل غياب الشفافية الواضحة حول مراحل التصنيع وتكاليف الإنتاج، ومع قلة خبرة بعض المصممين المحليين في تسعير المنتجات بدقة وذلك لعدم وجود إطار مرجعي واضح يعتمد عليه السوق، تصبح الفجوة بين السعر والإقناع أكثر وضوحًا، ومن هنا تبدأ التساؤلات لا عن المنتج فقط بل عن فلسفة التسعير، ومصداقية العلامة نفسها

وما لا يعرفه المستهلك أن هناك تفاصيل تؤثر على السعر بشكل كبير كنوع الخامة المستخدمة وطريقة التصنيع يدويًا أو آلية، فالصناعة اليدوية كالرسم والتطريز وخياطة الحواف تتطلب وقتًا أطول وجهدًا كبيرًا ومهارة عالية لا يمكن مقارنتها بقطعة خرجت من خط إنتاج كمي، كما أنها تدعم الأيدي العاملة المحلية، هذا الوعي يحدث فرقًا في تقدير القيمة ويساعد المستهلك على اتخاذ قرارًا أكثر انصافًا دون أن يخسر ثقته في العلامة

ومن هذا المنطلق على المصمم توثيق كل ما يميز منتجه من نوع الخامات المستخدمة مع النسب وتقنيات التصنيع والتفاصيل الحرفية وعرضها بوضوح في وصف القطعة، فكل معلومة تُقدم تعزز من فهم المستهلك وتقديره، وكذلك الاستعانة بخبراء تسعير يمنحون كل منتج قيمته الحقيقة والعادلة وفق معايير السوق ومستوى الجودة وبما يعزز ثقة المستهلك دون أن يظلم جُهد المصمم

 فإن الوضوح والصدق في تقديم المنتج، إلى جانب وعي المستهلك وفهمه لأبعاد التسعير، كفيلان بسد الفجوة وإعادة تشكيل العلاقة بين الطرفين على أسس أكثر شفافية واحترامًا للجهد والجودة معًا

تاريخ العلامة وأثره في تسعير المنتج

لا يُقاس سعر المنتج بجودته الظاهرة فقط، بل غالبًا ما يكون انعكاسًا لقيمة أعمق تشمل الفكر الإبداعي، والالتزام بالهوية، واحترام البيئة والمجتمع وهو ما بدأت تجسده العلامات السعودية التي لم تكتفِ بتقديم منتج جميل، بل بنت خلفه قصة وتجربة ورؤية واعية تستحق أن تُقدر

العديد من هذه العلامات انطلقت في وقت لم تكن فيه بنية صناعة الأزياء السعودية مكتملة، وقبل أن تتأسس هيئة الأزياء تحت مظلة وزارة الثقافة لدعم المبدعين وتمكينهم من الوصول للعالم، لذلك فإن تاريخ العلامة لا يُقاس بعدد السنوات فقط، بل بحجم المعرفة المتراكمة، والتجارب التي صقلت الهوية وفهم السوق والعمل المتواصل لبناء منتج محلي بمعايير عالمية وكل ذلك يسهم في تشكيل قيمة حقيقية تبرر التسعير

فعلى سبيل المثال، تبرز علامة «أباديا» السعودية كمثال رائد على الدمج بين الفخامة والاستدامة والحرفية المحلية، حيث تعتمد العلامة على أقمشة مستدامة بنسبة 89٪، وتعمل مع حرفيات سعوديات في الأحساء لإحياء تقنيات مثل السدو والتطريز النجدي والزري

كما تسعى مؤسسة العلامة شهد الشهيل لتقديم بدائل راقية للموضة السريعة بمنتجات تعكس هوية ثقافية عميقة وقيم إنتاجية قائمة على الوعي والمسؤولية مما يجعل تسعيرها انعكاسًا حقيقيًا لهذه المبادئ وليس مجرد تكلفة مادية

وعلى نفس النسق تأتي علامة «ياسمينا كيو» التي تؤكد التزامها بالاستدامة باستخدام أقمشة طبيعية ومعاد تدويرها مثل «إف إس سي» و«ديدستوك»، وتشير خامة «إف إس سي» إلى ألياف مستخرجة من غابات مُدارة بشكل مستدام، بما يضمن حماية البيئة وحقوق العاملين، وتحمل شهادة من مجلس رعاية الغابات

كما تبرز علامة «نوك» بإعادة اكتشاف وبر الجمال الطبيعي كمورد فاخر محلي، يُعالج بتقنيات عالمية ليضاهي ملمس الكشمير، وتُعد من العلامات القليلة التي تجمع بين الأصالة والابتكار مع التزام واضح بالاستدامة، والرعاية الأخلاقية للحيوانات، ودعم المجتمعات المحلية المنتجة

كما حرصت علامة «كالديني» على تقديم تصاميم يومية مستدامة باستخدام مواد طبيعية، وتقليل الفاقد عبر إعادة تدوير المخزون، كما تتعاون مع منصة «كلايم كو» لتعويض البصمة الكربونية الناتجة عن الإنتاج والتوصيل، من خلال دعم مشاريع موثوقة في الطاقة المتجددة وإعادة التشجير، في التزام واضح بالاستدامة البيئية والتوافق مع أهداف المناخ العالمية، مما يمنح العلامة بعدًا أعمق يتجاوز الأناقة والعملية

كل هذه النماذج تعكس كيف يمكن لتاريخ العلامة ورؤيتها أن تشكل مبررًا منطقيًا للتسعير، وتمنح العميل فهمًا أعمق لما يدفع مقابله بعيدًا عن المقارنة السطحية بين منتج وآخر. فالمنتج الواعِي مهما بدا بسيطًا يحمل في تفاصيله استثمارًا في القيم والمعايير التي تصنع فرقًا حقيقيًا في السوق

ما لا يُرى في بطاقة السعر

من المهم أن تدرك العلامات السعودية أن بناء القيمة لا يتوقف عند جودة المنتج فقط، بل يمتد ليشمل التجربة الكاملة التي تقدمها للعميل فالكثير من العملاء اليوم أصبحوا أكثر استعدادًا لدفع سعر أعلى، متى ما شعروا بالتقدير والاهتمام الحقيقي من العلامة

 ولذلك، يُنصح بأن تعمل العلامات على تعزيز هذه التجربة بقيمة مضافة واضحة، مثل خدمات ما بعد البيع كالصيانة والتعديلات، وامتياز الحصول على قطع حصرية أو دعوات خاصة للفعاليات، إلى جانب برامج الولاء التي تكافئ العملاء الدائمين بخصومات أو مزايا خاصة

فالعناية بالتفاصيل خارج المنتج تترجم في نظر العميل إلى احترام، وتجعل من السعر المرتفع انعكاسًا لتجربة متكاملة تستحق الاستثمار

هل التسعير يقف عائقًا أمام نمو السوق المحلي للأزياء؟

بالطبع لا، ولله الحمد يشهد قطاع الأزياء في المملكة نموًا متسارعًا عامًا بعد عام، مدفوعًا بارتفاع الوعي المجتمعي بأهمية دعم المنتج المحلي ومنح الثقة للعلامات السعودية الواعدة. أصبحنا نلحظ بشكل واضح هذا التحوّل في سلوك المستهلك، حيث تتزايد القناعة بضرورة إتاحة الفرصة للمبدعين المحليين وإدراك قيمة ما يقدمونه من جودة وإبداع

وقد انعكس هذا التوجه إيجابًا على السوق، إذ سجلت مبيعات قطاع الأزياء في المملكة محليًا وعالميًا نموًا بنسبة 48% من عام 2021 إلى 2025، بمعدل نمو سنوي مركب قوي يبلغ 13%، ما يعكس إقبالًا متزايدًا وثقة متنامية في العلامات السعودية

ختامًا ربما ما نحتاجه ليس مراجعة أسعار المنتجات المحلية بل مراجعة نظرتنا لها، فالسعر لا يكون مبالغًا فيه حين يعكس جودة حقيقية وجهدًا مدروسًا، ودعم المنتج ليس تنازلًا بل استثمار في صناعة تُبنى بثقة وطموح، فمتى نمنحه ما يستحق من تقدير دون مقارنات أو تردد ؟

كيف كانت النشرة اليوم

Login or Subscribe to participate in polls.

:📝أخبار تهمك

فريق التحرير: رشا المبارك،غادة الناصر، سفر عياد، بلسم الغشام، هاجر مبارك، وجدان المالكي

منسوج، لكل ما يخُص قطاع الأزيـاء المحلي

Reply

or to participate.