في ظل تسارع صناعة الأزياء محليًا وعالميًا، وتراجع المفردات، وتحوّل الهوية إلى منتج يُعاد تشكيله بلغة السوق، انطلقت مبادرة #عرّب_الأزياء من منسوج، بدعم من مركز إثراء والصندوق الثقافي، لتعيد طرح سؤال جوهري: من نكون وسط هذا المشهد؟
لم تنطلق المبادرة بدافع الحنين، ولا كمحاولة لفرض التعريب، بل من سؤال بسيط وعميق في آن: هل نعرف كيف كانت أزياؤنا تُوصَف؟
منذ بداية المشروع، ظهر تساؤل طبيعي: هل نحتاج فعلًا لهذه المفردات؟ أم أن الزمن تجاوزها؟
لكن الغرابة هنا لا تسكن الكلمة، بل تسكن المسافة التي اتسعت بيننا وبين لغتنا، فما يبدو غريبًا اليوم كان يومًا جزءًا من أحاديث أجدادنا اليومية
ما تفعله #عرب_الأزياء هو عمل معرفي يعيد وصل الأزياء بجذورها الثقافية واللغوية، وبالهوية التي تعبّر عنها
الأزياء جزء من البنية الثقافية للمجتمع، فهي تعبّر عن الذوق، وتكشف ملامح التنظيم الاجتماعي، وتُسجِّل تحولات الاقتصاد والصناعة واللغة. وتتبع مفرداتها يساعد على فهم كيف كان الناس يختارون ملابسهم، وكيف كانوا يصفونها، وكيف عبّروا من خلالها عن مفاهيم مثل الخصوصية والتميّز والزينة والمكانة

ولا تقف “عرب الأزياء” عند توثيق المصطلحات، إذ تمهّد لمشروع لغوي وثقافي أوسع يعيد الاعتبار للغة العربية بوصفها لغة قادرة على مواكبة تحوّلات صناعة عالمية كالأزياء. فالمعرفة اللغوية هنا ضرورة لفهم الذات وبناء سردية ثقافية تنطلق من السياق العربي، لا تُستعار من خارجه
في #عرّب_الأزياء، بدأنا بمراجعة دقيقة لعشرات المصطلحات المستخدمة في اللباس العربي، بالرجوع إلى مصادر لغوية وتاريخية موثوقة. وتبيّن من خلال هذا العمل أن كثيرًا من الكلمات التي نستخدمها اليوم على أنها «حديثة» أو «مستوردة»، لها ما يقابلها في التراث العربي، سواء بشكل مباشر أو في الفكرة التي تعبّر عنها
فـ«الغِفارة» مثلًا كانت تُستخدم للدلالة على غطاء فضفاض للرأس أو الكتفين، وتُشبه إلى حد بعيد ما يُعرف اليوم بالـ«هودي» و«المُضَرَّس» هو الاسم العربي لنوع من التطريز الدقيق، يُقارب في خصائصه ما يُعرف بالدانتيل، رغم ارتباطه الشائع بالثقافة الأوروبية
أما «المنامة»، فهي كلمة عربية قديمة لثوب النوم، تُقابل ما يُعرف بالبيجامة، ذات الأصل الفارسي
وكذلك الحال مع «السَّكْبَة»، التي تُشير إلى نوع من القماش الرقيق اللامع، تُقارب في خصائصها قماش «التفتة» المعروف في الفارسية والهندية
هذه المطابقات لا تُذكر لإثبات سبقٍ لغوي أو منافسةٍ ثقافية، بل لأنها تغيّر زاوية النظر إلى أزيائنا نفسها. حين نعثر في تاريخنا على حضور لتقنيات وزخارف ومفاهيم تقارب ما يُقدَّم اليوم بوصفه أوروبيًا خالصًا، فالمسألة ليست صراعًا على الأصل، بل استعادة للحق في السرد. نحن لا نقول إن كل شيء بدأ هنا، ولا نلغي مسارات التبادل، لكننا نرفض أن يتحوّل الاسم وحده إلى شهادة ميلاد

والأهم من ذلك أن هذه الأمثلة تكشف «سلطة التسمية». فحين تُنسب خامة أو تقنية إلى بلد بعينه مثل «فرنسي» أو «إيطالي» أو «تركي»، لا يحدث توصيف محايد فقط، بل تُمنح ملكية رمزية غير مباشرة. ومع الوقت تتحول هذه الملكية إلى قوة ثقافية ترفع قيمة المنتج وتفرض مرجعية في الذائقة وتُعيد ترتيب ذاكرة العالم عن من «يملك» المعايير. فالتسمية حين تستقر في السوق، ثم في الكتب، ثم في المتاحف، تصبح «حقيقة» حتى لو كانت القصة أوسع وأكثر تشابكًا. ومن هنا تأتي قيمة #عرب_الأزياء: أنها تعيد فتح الملف من داخل لغتنا وسياقنا، وتمنح المصمم والمتجر والقارئ أدوات وصفٍ ومعرفة لا تجعلنا نستهلك التاريخ بلسان غيرنا
ولعل ما يميّز هذا المشروع أن انطلاقته لم يكن من جهة لغوية أو أكاديمية، بل من منصة إعلامية معرفية متخصصة في الأزياء. وقد اختارت منسوج أن تتولى هذا الدور التأسيسي بوصفها حلقة وصل بين البحث والممارسة، تستند إلى مصادر لغوية وتاريخية موثوقة، وتقدّمها في صياغة قابلة للاستخدام داخل الصناعة
لم يكن هدف المشروع استبدال المصطلحات الشائعة أو إقصاء ما استقر في الاستعمال اليومي، وإنما وضعها داخل سياق معرفي يوسّع الفهم ويعمّقه. فالمعرفة لا تناقض الحداثة، وإنما تمنحها أساسًا أمتن
وحين يفهم المصمم أو القارئ أو المهتم بالأزياء هذه الجذور، تتبدّل علاقته بما يرتديه: تصبح أكثر وعيًا واتصالًا بالمعنى، وأقل ارتهانًا لصور جاهزة تفترض أن الأناقة تُستورد من الخارج
أظهرت تجربة المبادرة أن المجتمع لا يرفض لغته بقدر ما يجهلها. ومع تقديم المحتوى بصورة واضحة، ظهر التفاعل من المصممين وأصحاب المتاجر والجمهور. بعضهم استخدم المفردات في وصف المتاجر الإلكترونية والتسويق، وآخرون وجدوا فيها نافذة جديدة على تاريخهم
ما بدأته «عرب الأزياء» قابل لأن يتحوّل إلى نموذج عملي يربط اللغة بالصناعة، ويقدّم محتوى يتجاوز التوثيق إلى توسيع فهم الهوية. وفي سياق مبادرات وطنية مثل “إثراء المحتوى”، تصبح اللغة جزءًا من حركة الإنتاج الثقافي، وتمنح المجتمع قدرة أكبر على صياغة نفسه من الداخل
وحين تدخل اللغة إلى الصناعة بوصفها أداة وصف ومعرفة، يصبح الحضور الثقافي أعمق، وتصبح المشاركة في تشكيل المستقبل أكثر اتزانًا
فمن لا يملك مفرداته، لا يملك روايته
هذه المقالة بدعم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) وصندوق التنمية الثقافي

عرّب الأزياء
وسم #عرّب_الأزياء هو مبادرة ووسم أطلقناه في منصة منسوج بهدف تعريب مصطلحات الأزياء الأجنبية واستكشاف البدائل العربية المناسبة لها. استكشفها معنا

ما أصل كلمة الكشمير؟ لمعرفة ذلك، فضلا الضغط هنا

ما أصل كلمة الكوفية؟ لمعرفة ذلك، فضلا الضغط هنا

ما البديل العربـي الفصيح لكلمة «الدِّشْداشَة»؟ لمعرفة ذلك، فضلا الضغط هنا
📩أخبـار تهمـك
📝 أزياء_دورات
منسوج يقدم لك ملف «دليل أقمشة العبايات» للتحميل مجانا بدعم من منصّة زد. الملف يعد رفيقك الأول في فهم عالم أقمشة العبايات، يعرّفك خطوة بخطوة على أنواع الخامات، وفرق السماكات، وطريقة السقوط على الجسم، وملاءمتها للمواسم والاستخدام اليومي، ليساعدك على اتخاذ قرارات أدق في تصميم منتجاتك وبناء هويّة علامتك
منسوج يقدم لك ملف «دليلك لبدء علامة عبايات» للتحميل مجانا بدعم من منصّة زد. الملف يعد رفيقك الأول في رحلة بناء مشروعك، يرشدك خطوة بخطوة من فكرة العلامة إلى تأسيس المتجر وتسويق المنتج، ويضع بين يديك خبرات وتجارب عملية تساعدك على دخول السوق بثقة واحترافية
🌟 أزياء_أخبار_محلية
أعلنت «اليونسكو» إدراج الكحل العربي ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية لعام 2025، تقديرًا لمكانته الجمالية والثقافية في المجتمعات العربية، إذ يُعد ممارسة متوارثة بين الرجال والنساء ارتبطت بالحماية من عوامل البيئة وبالتعبير عن الهوية، وانتقلت معارفه عبر الأجيال بوصفه تراثًا حيًا، وجاء الترشيح بملف مشترك من تسع دول عربية، من بينها المملكة العربية السعودية، تأكيدًا على الكحل كرمز جمالي عابر للحدود وجزء أصيل من الذاكرة الثقافية العربية. (المصدر)
🌎️ أزياء_اخبار_عالمية
تشير مصادر مطّلعة في ميلانو إلى اقتراب حسم هوية المدير الإبداعي الجديد لدار «فيرساتشي» بعد خروج داريو فيتالي، مع بروز اسم بيتر موليه، المدير الإبداعي لدار «علّايا»، كمرشح رئيسي لتولي المنصب. وكانت مجلة «دبليو دبليو دي» قد أشارت مطلع ديسمبر إلى دخول موليه دائرة الترشيحات، إلا أن مصادر تؤكد أن شركة «ريشمون» المالكة لـ«علّايا» لا تزال في مفاوضات معه بشأن إنهاء ارتباطه، نظرًا للدور المحوري الذي لعبه في إحياء الدار منذ عام 2021. وحتى الآن، لم يُوقّع موليه رسميًا مع «فيرساتشي»، لكنه يُعد الخيار الذي حدده «برادا قروب» منذ البداية لقيادة العلامة بعد استحواذه عليها. (المصدر)

فريق التحرير: غادة الناصر، هاجر مبارك، منار الأحمدي، دانة النعيم، وجدان المالكي
منسوج، نضعك في قلب مشهد الأزياء السعودي

