✍🏻مراجعة بقلم: شمس

من هبوب الشمال إلى أهازيج شواطئ الجنوب ومن أعماق الشرقية إلى جمال الحجاز، يأخذ المصممون أسبوع الرياض للأزياء إلى ثقافات مختلفة من أنحاء المملكة. فيحكون عن تاريخ مناطق المملكة بصورة عصرية أصيلة المنشأ كخطوة مهمة نحو تحقيق رؤية تجسّد الوعي بأهمية الحضور الثقافي لاستمرار نمو قطاع الأزياء

بعدسة الثقافية أزياء

فيصور المدير الإبداعي لعلامة «قرمز»، عبدالرحمن العابد حياة البادية على مهل مشيراً إلى شخصية تاريخية شهدتها شمال أرض المملكة الشيخ النوري الشعلان، أحد رؤساء قبائل المنطقة والذي ذاع صيته بالقوة والصمود فوق أرض عُرفت بالشّدة والصراع للبقاء، فيبدأ الحكاية كما كانت تبتدي، ويعلن عن بداية القصة على أصوات «ضرب الفناجيل» وهي رمز إعتاد أهل البادية على إظهاره تعبيراً عن حفاوة استقبال الضيف وإكرامه، ومن ثمّ ينتقل إلى «الجرّة» وهي أنغام العزف على الربابة. حيث اشتهرت الربابة كأداة موسيقية عند بادية الشمال وهي ثاني مشهد يجسده العابد من مجالس السّمر على الحان الربابة لحياة البادية

يسير عارضي الأزياء على مقطوعة موسيقية تصدح من خلالها الدحة الشمالية، ويتصدرهم مظهر جريء ليعلن عن ركائز قامت عليها المجموعة تنقل الصورة بحذافيرها؛ الصوف يليه الجاعد ثمّ الفرو، والتي تتصدر مجالس البدو وتعلو رحالهم. كما إنها أشهر وسائل التدفئة، والذي يظهر العابد فيها إمكانية تنفيذها وتحويلها لقطعة ملبسية فاخرة

بعدسة الثقافية أزياء

تنساب المجموعة تدريجياً في إبراز رموز الحياة و الحروب التي تشهدها المنطقة كالسيف والعِصي على أبيات شاع ترديدها بين الجيوش آنذاك لتبث فيهم الحماسة

اختتمت المجموعة بعدد من التصاميم العصرية لِتُترجم نوايا عبدالرحمن وتطلعاته المستقبلية التجارية للعلامة ، وينهي المجموعة كما بدأها بطِيب وحفاوة أهل البادية في الاستضافة والتوديع بالإشارة إلى العُود في المبخرة ضمن المظهر الأخير

مجموعة متنوعة تُسابق فيها أفكار عبدالرحمن الخيل ، تتميز بالأصالة والُجموح وتحتاج إلى شد اللجام والتروي في تنفيذها

بعدسة الثقافية أزياء

ومن شواطئ فرسان إلى منصة عرض الأزياء، تعلو أصداء فن الـ «يا مال» أو «النهمة» البحري، والتي استلهمت منه وعد العقيلي أحد أشهر أهازيجه كمفهوم لمجموعتها. «يا مال» افتتاحية تردد صداها من سطح البحر إلى قاعه، وعلى أثرها قدمت وعد مجموعة تصور فيها رحلة الغوص إلى أعماق البحر

تتقدم المجموعة عارضة بفستان أبيض لامع، ومكمّلة المظهر بهامة مصنوعة من اللؤلؤ وكأنها تُعلن عن نتاج الرحلة قبل بدئها. تتوالى التصاميم في الظهور ضمن تدرج لوني فني يصور الحياة الساحلية من انعكاس السماء على سطح البحر و بياض اللؤلؤ والأصداف العاجيّة وصولاّ إلى نجم البحر والشعب المرجانية الأرجوانية

تظهر محاولات وعد لأخذ التصاميم لمستويات متقدمة كإعادة تقديم عباية «أم سمكة» والتي ارتبطت بنساء المنطقة الشرقية بالتعاون مع الفنانة التشكيلية سارة العبدلي بصورة فنية تشير فيها إلى ثقافة الغوص. كما أن المجموعة تظهر جُهد مُتكلّف في الإشارة للبيئة المستلهم منها بالأقمشة والألوان والخامات والتجسيد المباشر ولكنّ تستمر بعرض ما تُبرع فيه ، فتُعيد استعراض مهارة التصاميم الهيكلية في تصميم الصدفة ، وتوظيف مفهوم المجموعة بإتقان التطريز أو الشك اليدوي

تُصرح وعد من خلال التصاميم أن العميل أولاً ! فتعكس الجانب التجاري بتحقيق الرغبة في التفرد ومواكبة «الترند» بإدخال خامة الدانتيل والهدب الى المجموعة

بعدسة الثقافية أزياء

أخيراً تصطف العارضات للخروج بطريقة منتظمة وخُطوات مُتسقة تحاكي ديناميكية الحركة للبحارة أثناء رحلة الغوص مرددين أوه يـــامــال

يقول الغواصين قديماً  «قيس قبل لا تغيص» وقياس المجموعة يا وعد مضبوط والرحلة كانت آمنه

بعدسة RFW

وفي سابقة لغيرها تفتتح علامة «أباديا» بأداء استعراضي حيّ لفن «الخمّاري» بتقديم الفنانة مناير عادل والذي اشتهر بين نساء المنطقة الوسطى والشرقية ، وتشاركنا حقيقة اختيار مفهوم المجموعة من خلال ذكرى شخصية وتقول

غامر جدي ذات مرة في البحر للاحتفال ببلوغه سن الرشد. كانت طريقته في إثبات استعداده لتحمل ثقل المسؤولية والاستقلال

شهد الشهيل

على غِرار وعد العقيلي تركب المصممة «شهد» على متن قوارب الغوص وتِصف الرحلة من زاوية أخرى ، بين الإبحار والانتظار والشجاعة والصبر حكايات تروى وقصائد تُغنى

في تجربة معنوية تختار شهد أداء «الخمّاري» لتعكس قوة النساء أثناء رحلات الغوص التي تمتد لشهور والمسؤولية التي تقع عليهن في غياب الرجل، حيث الصمود الذي يتخلله الحنين وسيلة بقاء وحفاظ على المجتمعات .وتلمس قاع البحر لتجسد اختيار المواجهة والشجاعة من خلال تحويل تجربة الغوص إلى رموز ناعمة تحقق الهدف وتجسّد الصورة في انسياب أنثوي بمعانٍ قوية

بعدسة الثقافية أزياء

تختار الرّقة لتجسيد العمق فتظهر العارضات بقطع من الحرير والأورجانزا بإيقاع حركي ، وعلى النقيض تصّور الصلابة في الصوف الفاخر والموهير والقصات الحادة. وبأسلوب البساطة التي اعتمدته العلامة، ترمز شهد للمفهوم بأسلوب بسيط عصري كتشبيه اللؤلؤ في وجود اللون الأبيض والعاجي واختيار الأقمشة اللامعة. وفي لفتة لطيفة أفسرها برؤية شخصية أنها إشارة لشخصية الجد تصلني من خلال مظهر العارضة بتنورة بطبعة تشبه الوزرة التي اعتاد النواخذة على ارتدائها

بنمو مستمّر للعلامة تقدم خط جديد من الاكسسوارات والحقائب والذي أيضا شاركت مفهوم المجموعة من خلالها ، كحقائب اليد التي تشبه سِلال الشبك والخوص

بعدسة RFW

من الصعب تحقيق الرقة والنعومة في سرد قصص مليئة بالصِعاب ولكن «شهد» تعرف كيف تحول هذه القصة إلى قطعة راقية ومبيعات عالية

بعدسة الثقافية أزياء

ومن غرب المملكة  تُقدم علامة «هندام» تحت رعاية صاحبة السمو الأميرة جوهرة بنت طلال بن عبدالعزيز مجموعة «الحجاز»، وهي مجموعة عصرية تعكس فيها ثقافة منطقة الحجاز

بفستان أسود وعبارة مطبوعة اختارها محمد خوجة لوصف المجموعة كرمز تعبيري «الحجاز كيف، ماينقال؛ هو المزاج، هو الجمال، هو الخيال» والتي تكرر توظيفها في عدد من التصاميم بلمسات جمالية مختلفة ليعلن عن مجموعة ممتدة من أرض خصبة بالثقافة والجمال

تميزت الحجاز بمكانة تاريخية يمر بها العالم لُقدسية المكان ولموقعها الجغرافي والذي كان وسيلة مهمة في التجارة الدولية، مما ساعد في ازدهار ثقافة المنطقة وتنوع مصادرها. تقوم المجموعة على عناصر متنوعة من المنطقة لمحاولة إيصال الخيال المستقبلي من خلالها

كما تضمنت على عدد من الشراكات واللحظات التاريخية التي اختار محمد تكريمها

بعدسة الثقافية أزياء

 بالتعاون مع «منسوجات»، يوظّف محمد قطعة منسوجة يدوياً بتطريز قبيلة الجحدلي من بني سعد جنوب الطائف يصل عمرها إلى المئتين عام. في تصميم كاجوال تُزين القطعة فتحة الصدر، وسترات بألوان معدنية لامعة، وقبعات بشكل جديد نظرة خاطفة لرؤية مستقبلية للموضة السعودية. وبالتعاون مع المصممة هلا الغرباوي يعيد تصميم فستان مهدى للأميرة الجوهرة تُزينه طرحة كُتب عليها «حواء» كمرجع للاعتقاد بأنها دُفنت في منطقة جدة

قميص بصورة مطبوعة للفنان عبادي الجوهر، كُنزة باللون الزهري كُتب عليها دار الحنان كإشارة لأول مدرسة للبنات في المملكة بجدة والتي درست فيها والدته، صور من تكريم محمد خوجة للحظات والأماكن المؤثرة في نشأته

بعدسة الثقافية أزياء

وفي الختام، مع الزفة الحجازية بصوت محمد عبده، تخرج المؤثرة لمى العقيل بفستان زهري مغطى بطرحة مطابقة كتب على مقدمتها عروس البحر كصورة حديثة لإحدى الأساطير، ويُعيد فيها تصميم فستان زفاف منطقة الحجاز بأسلوب عصري. أحياناً أعادة تصميم الأزياء والتغيير يكون في الهيكلة

لماذا هذا المقال يُشيد ب قُرمز ووعد العقيلي وأباديا وهندام؟

بعدسة الثقافية أزياء

لأن في مرحلة ترسيخ وبناء القيمة الثقافية لصناعة الأزياء في المملكة شارك مصممينا  في حضور الإلهام بصورة حية؛ لتُسمع القصة وتُرى وتُعاش وإن كانت تاريخيّة

ولأنه ليس من السهل محاولة تغيير ملامح التراث وإعادة تقديمها، فإن عبدالرحمن العابد ووعد العقيلي وشهد الشهيل ومحمد خوجة قد يواجهون تحديات كبيرة في مواجهة رفض فكري واجتماعي تجاه بعض التغييرات والتصاميم المقدمة، ولكنها مخاطرة جريئة ناجحة

بعدسة الثقافية أزياء

توظيف القيمة الثقافية للمملكة في مجال الأزياء بطريقة مستمرة لا تعني قُصور ومحدودية مجالات الإبداع الفني للمصمم، ولكنه إدراك أهمية ربطها بعصر التطور. وفي السباق الدائم مع التجديد تقوي التعريف بالهوية بصورة حديثة

لن تُسّرع الربابة سير الصناعة ولن يُضيف اللؤلؤ بريق التقدم ولا الطاقية تُتوج الوصول ولكّنها مصادر حقيقية تؤرشف وتبُنى عليها قصص نجاحات قادمة

ولكل من قام على هذه المجموعات، بالفمّ السعودي المليان: بيّض الله وجوهكم

فريق التحرير: شمس، غادة الناصر، هاجر مبارك، منار الأحمدي، وجدان المالكي

منسوج، لكل ما يخُص قطاع الأزيـاء المحلي


كن أول من يعرف

تحديثات أسبوعية تبقيك في صدارة أخبار وثقافة الأزياء السعودية


Comments

or to participate


آخر الأخبار

No posts found