في أحد تحقيقات صحيفة «ذي غارديان»، ظهرت شهادات لأشخاص يحتفظون بفساتين خطوبة أو قمصان قديمة رغم مرور سنوات دون ارتدائها. أحدهم قال إنّه لا يستطيع رمي القميص الذي كان يرتديه حين التقى شخصًا عزيزًا، وآخر احتفظ بفستان لا يعود له أساسًا، بل لامرأة أحبّها ولم تبقَ. هذه القصص تُظهر أن بعض الملابس يبقى في خزائننا لا لحاجتنا إليه، بل لارتباطه بحدث أو بشخص معيّن. في الواقع، نحن غالبًا نتمسّك بالمرحلة من حياتنا التي تمثّلها هذه القطع أكثر من تمسّكنا باستخدامها اليوم

من منظور علم النفس، تُفهم هذه الظاهرة بوصفها شكلًا من الارتباط العاطفي بالأشياء. تشير كتابات المعالِجة النفسية آيمي مورين وآخرين إلى أن التخلّص من غرض يحمل معنى شخصيًا قد يثير شعورًا بالخسارة يشبه الحزن على شخص أو مرحلة انتهت. في كثير من الحالات، ترتبط بعض القطع بنسخة سابقة من الذات، فترة كنّا فيها أكثر حيوية، أو أقلّ مسؤوليات، أو في علاقة لم تَعُد موجودة. لذلك تتحوّل هذه الملابس إلى طريقة للحفاظ على صلة نفسية بالماضي، وتساعد صاحبها على الشعور باستمرارية بين ما كان عليه سابقًا وما يعيشه اليوم
الجانب المعرفي من هذه العلاقة لا يقلّ تعقيدًا. يشرح عالم النفس روي باومايستر أن الإنسان يواجه يوميًا مئات القرارات الصغيرة التي تستهلك طاقته الذهنية، من بينها سؤال يبدو بسيطًا: ماذا أرتدي؟ لهذا تميل أدمغتنا إلى التمسّك بما هو مألوف حتى وإن لم نعد نستخدمه. القطعة القديمة لا تفرض قرارًا جديدًا أو مراجعة مستمرة، مجرّد وجودها يمنح شعورًا بالثبات، ويقلّل من الإرهاق الذهني الناتج عن الاختيار
تُظهر أيضًا تجارب في علم النفس السلوكي أن الناس يميلون إلى تقدير ما يملكونه بالفعل أكثر مما لو كان الشيء نفسه مملوكًا لغيرهم؛ وهي ظاهرة تُعرَف بـ«تأثير الملكية». في حالة الملابس، يفسّر هذا لماذا نُعطي أحيانًا وزنًا مبالغًا فيه لقميص أو فستان قديم لا نرتديه ولا ننوي استخدامه مجددًا. قيمة هذه القطع لا تأتي من فائدتها العملية اليوم، بل من القصة التي تمثّلها في سيرتنا الشخصية، والمكان الذي تحتله في ذاكرتنا عن أنفسنا
ولأن هذا النوع من التعلّق يملأ الخزانة بقطع لا تُستخدم، تقترح بعض مراجع العلاج السلوكي طُرقًا وسطًا بين الحنين والعملية، مثل تصوير القطعة وكتابة سطر أو سطرين عن قصتها، ثم التخلّي عنها ماديًّا مع الاحتفاظ بالصورة والمذكّرة. هذه الخطوات البسيطة تجعل قرار التخلّي أهون، وتسمح لصاحبها أن يحافظ على المعنى، من دون أن يظل أسيرًا للشيء نفسه في كل مرة يفتح فيها خزانته
الخزانة تمتلئ غالبًا بما لا نحتاجه وما لا نستخدمه لأن الحسم يتأجل. ومع الوقت قد يتحوّل هذا التأجيل إلى شكل من «الاكتناز»: احتفاظ تحرّكه مشاعر مثل القلق أو التعلّق أكثر من الحاجة. الفارق هنا بسيط: قطعة تُستخدم اليوم، أو ذكرى تُحفظ بوعي، أو شيء انتهى دوره ويمكن توثيق قصته ثم إخراجه
.هذه المقالة بدعم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) وصندوق التنمية الثقافي


فريق التحرير: غادة الناصر، هاجر مبارك، منار الأحمدي، دانة النعيم، وجدان المالكي
منسوج، نضعك في قلب مشهد الأزياء السعودي

