في الصحراء، حيث تُختبر القدرة على البقاء كل يوم، نشأت فنون لا يخطر على البال أن تُولد في مثل هذا المناخ القاسي. فندرة الموارد لم تُلغِ الحس الجمالي لدى أهل البادية، بل دفعتهم إلى ابتكار طرق دقيقة في بناء مسكنهم ولباسهم وأدواتهم، ومن هذا الاجتهاد اليومي ظهرت حِرف يدوية تحمل ملامحهم الخاصة، تشهد على ذكائهم في فهم الطبيعة وتطويعها

وبرغم حركة الترحال التي كانت تحكم حياة البادية، وتحدُّ كثيرًا من إمكانات الصناعة والحِرف المستقرة، ظهرت اجتهادات دقيقة لا تخطئها العين. فالمجتمع البدوي لم يكن منشغلًا ببناء معامل أو ورش ثابتة؛ طبيعة الصحراء لا تسمح بذلك. لكن ما يمكن حمله والتنقّل به ظل جزءًا من حياتهم، وهنا برز دور المرأة في جمع الصوف والوبر والجلد، وتحويلها بخبرة متوارثة إلى مواد تُلائم بيئتهم وتلبي احتياجاتهم اليومية

ومن داخل هذا الإطار برزت أعمال النساء كعلامة فارقة في ثقافة البادية. فمع غياب الصناعات الثقيلة عن حياة الصحراء، ظلّ النسيج المجال الأوسع الذي اتسع للمهارة والإبداع، وتحول مع الوقت إلى مساحة تعبّر فيها المرأة عن حضورها داخل الجماعة. فالزخارف التي تختارها، وتناسق الألوان المصبوغة طبيعياً من البشام والقرمز والحناء والكركم، كانت تُقرأ داخل القبيلة بوصفها إشارة تكشف عن خبرة صانعتها، ومع تراكم التجربة، أصبحت براعة المرأة في الحياكة جزءًا من مكانتها الاجتماعية، ودليلًا على ذوقها وقدرتها. ولم يقتصر أثر ذلك على الجانب المعنوي؛ فالمنسوجات شكلت موردًا اقتصاديًا للأسرة، تُباع أو تُهدى أو تُقدّم في مناسبات الزواج والضيافة، وبذلك أسهمت في تعزيز استقرار البيت، وفي ترسيخ صورة العائلة بين جيرانها وضيوفها

ومن بين الحِرف التي شكّلت ملامح الحياة البدوية، يبرز السدو بوصفه المثال الأوضح على امتزاج الحاجة بالجمال. فهو نسيج تُجيده النساء، ويُعتمد عليه في أهم عناصر البيت المتنقّل: سقف الخيمة، أستارها، فرشها، وكسوة الجمال أثناء السفر والترحال. وفي كل منطقة تتخذ زخارفه وألوانه طابعًا خاصًا يعكس ذائقة القبيلة وذاكرتها

ولأن الخيمة هي مأوى يُبنى ويُفك ويُعاد تركيبه مرات عديدة خلال العام، اكتسبت صناعتها معرفة دقيقة بخصائص المواد الطبيعية. وليس في الأمر مصادفة؛ فشعر الماعز الأسود ينتفخ عند البلل، فيغلق المسام ويمنع تسرب الماء والندى، وهي خاصيّة اعتمد عليها البدو منذ القدم لصناعة خيام تقاوم المطر وتقلبات الطقس. أما في الشتاء، فتُضاف طبقات من الصوف والوبر لخلق عزل حراري فعّال، صُمّم بدقّة من واقع التجربة الطويلة مع المناخ لا من الكتب أو النظريات. وفي بعض المناطق كانت النساء يشربن الأنسجة بالزيوت الحيوانية أو يغلّفنها بطبقة خفيفة من الشمع لتصبح أكثر قدرة على تحمّل الأمطار والبرد

هذه التقنيات التي تبدو بسيطة للوهلة الأولى هي في حقيقتها خلاصة قرون من الملاحظة والاختبار، وتكشف عن ذكاء بيئي عرف كيف يوازن بين خفة الحمل ومتانة الاستخدام، بين الحاجة للحماية، والرغبة في أن يحمل البيت شكلًا جميلاً في الوقت نفسه

من أبحاث مسعودة قربان

ولم يكن حضور السدو محصورًا في الجزيرة العربية وحدها؛ فمسارات الترحال القديمة حملت هذه الحِرفة معها شمالًا وشرقًا، حتى أصبحت أحد الروابط الثقافية التي تجمع الخليج والأردن وسوريا وفلسطين. فالقبائل التي انتقلت مع مواسم المطر نقلت معها أساليبها في الغزل والنسج، فظهرت وحدات زخرفية متقاربة، وألوان مشتركة، وأدوات متشابهة، وإن اختلفت التفاصيل الدقيقة باختلاف البيئة والقبيلة

في الخليج، أخذ السدو طابعًا أكثر بساطة واتساعًا في الوحدات، مناسبًا لطبيعة الخيام الساحلية والبرية. أما في الأردن وسوريا وفلسطين، فبرزت وحدات أصغر وتدرّجات لونية أوسع، متأثرة بتعدد النباتات الصبغية وتنوّع التضاريس بين السهول والجبال. ورغم هذا التنوع، ظل السدو يحتفظ بعلامته الأساسية: أنه لغة تُفهم بدون كلام، يستطيع البدوي أن يميّز من خلالها موطن القطعة وصانعتها، حتى وإن اختلف المكان واللهجة والمسار

هذا الامتزاج الثقافي الواسع يؤكد أن السدو جزءًا من ذاكرة البداوة الكبرى، ذاكرة عاشت على الحركة لا على الاستقرار، وانتقلت من خيمة إلى أخرى حتى كوّنت تراثًا مشتركًا يربط شعوب المنطقة بعضها ببعض

.هذه المقالة بدعم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) وصندوق التنمية الثقافي

Login or Subscribe to participate

مصطلح اليوم

بين «الجُبَّة» و«الزبُّون»… أيّهما عربية؟

لمشاهدة المقطع، فضلاً الضغط هنا

📩أخبـار تهمـك

📝 أزياء_دورات

يقدم منسوج «دليل شامل لتأسيس علامة عبايات» يرشدك خطوة بخطوة من فكرة العلامة إلى تأسيس المتجر وتسويق المنتج، ويضع بين يديك خبرات وتجارب عملية تساعدك على دخول السوق بثقة واحترافية. الملف متاح مجاناً بدعم من منصّة زد، التزاماً منها بتمكين التجّار وتحفيز نموهم في عالم التجارة الإلكترونية

🌟 أزياء_أخبار_محلية

في 8 نوفمبر، استضافت صالة «لفت» في «جاكس» أمسية جمعت الفن بالأناقة عبر معرض مؤقت أبرز حضور علامتي «نُوون» و«عين» للمجوهرات. قدّمت «نُوون»، التي أسستها سمو الأميرة نورة الفيصل في باريس عام 2014، مختارات من مجموعاتها، منها تاج بخيول تنطلق من الأمواج وقطرات ألماس بدرجات الأزرق والأبيض، إضافة إلى عقد جديد يقوم على فكرة الازدواجية بتوازن بين الرقة والقوة. وشهدت الأمسية أيضًا إطلاق مجموعة «1414» من دار «عين»، وهي أولى مجموعات سمو الأميرة عبير الفيصل، مستلهمةً اللون الأخضر والعناصر النجدية بطابع صناعي وخطوط هندسية واضحة تمنح القطعة اليومية مظهرًا يجمع بين البساطة والصلابة (المصدر)

أُطلقت مبادرة جديدة لدعم المشاريع السعودية في الأزياء والمجوهرات والتصميم، تمكّنهم من عرض منتجاتهم على منصة «ترينديول» والوصول إلى أسواقٍ عالمية. وتأتي هذه الخطوة ضمن توسّع المنصة في الخليج عبر شراكات مع «زد» و«سلاسة»، لتسهيل انضمام التجار وربط متاجرهم رقميًا بكل سهولة. تتيح هذه الشراكة للتجار إدارة طلبات «ترينديول» من لوحة تحكم «زد»، مع تزامن تلقائي للمخزون ودعم مباشر يضمن تجربة تشغيلية متكاملة. (المصدر)

في إطار تعزيز التعاون بين صُنّاع الموضة في المملكة، وقّعت «جمعية الأزياء» اتفاقية تعاون مع منصة «كتالوج» بهدف تمكين العاملين بالقطاع ودعم تطور صناعة الأزياء محليًا وعالميًا. وتمنح الاتفاقية أعضاء الجمعية مزايا خاصة تشمل توفير عارضي أزياء محترفين بما ينسجم مع القيم الثقافية، وخدمات إنتاج عالية الجودة، ومساحات ومعدات تصوير احترافية تدعم الإبداع والتميز. (المصدر)

أوضح صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وزير الثقافة، في مقالته بصحيفة «الشرق الأوسط» أن الاستثمار الثقافي يُعد من أسرع القطاعات نموًا في المملكة، حيث ارتفع حجم الاستثمار في البنية التحتية الثقافية إلى 1.8 مليار ريال، وشهد القطاع دخول 1700 مستثمر جديد. كما بلغ حجم الدعم المقدم للقطاع 377 مليون ريال، وارتفع عدد العاملين في المجالات الثقافية إلى 234 ألفًا، فيما ازدادت نسبة الطلب على التخصصات الثقافية عالميًا إلى 79٪. وارتفع عدد المشروعات الثقافية الممولة إلى 150 مشروعًا بقيمة تجاوزت 508 ملايين ريال، بينما وصل إسهام القطاع الثقافي في الناتج المحلي إلى 3٪، وبلغت قيمة الصادرات الثقافية 24 مليار ريال، في تأكيد على ازدهار الاقتصاد الإبداعي في المملكة. (المصدر)

استعرضت «الخطوط السعودية» في جناحها بمؤتمر ومعرض الحج 2025 ابتكارًا جديدًا يحمل اسم «الإحرام الأبرد»، وهو أول إحرام في العالم مزوّد بخاصية تبريد عالية الأداء. ويعتمد الابتكار على تقنية «التبريد الثلاثي» الحاصلة على براءة اختراع، والتي تُخفض حرارة الجلد بنحو درجتين مئويتين عبر امتصاص الرطوبة وتجفيفها سريعًا وتعزيز تدفّق الهواء. ورغم التطوير التقني، حافظ الإحرام على شكله التقليدي المتوافق مع الضوابط الشرعية. وتم تطوير «الإحرام الأبرد» بالتعاون مع شركاء عالميين، وسيُطرح بإصدارات محدودة للرجال والنساء خلال موسم حج 2025، تمهيدًا لتوفيره على نطاق أوسع في المواسم المقبلة، في خطوة تدعم تحسين تجربة ضيوف الرحمن عبر حلول تجمع بين الأصالة والابتكار. (المصدر)

🌎️ أزياء_اخبار_عالمية

عيّنت دار «بالمان» المصمّم أنطونان ترون مديرًا إبداعيًا جديدًا بعد مغادرة أوليفييه روستانغ للمنصب الذي شغله 14 عامًا. ويعلّق ترون عمله في علامته «أتلاين» ليتفرغ بالكامل للدار، على أن يقدّم أولى مجموعاته في مارس المقبل في باريس. وأشارت «بالمان» إلى أن أسلوب ترون القائم على تشكيل القماش وبناء القطعة حول الجسد ينسجم مع هوية الدار وتاريخها. ويأتي هذا التعيين وسط موجة تغييرات تشهدها دور الأزياء الأوروبية. ويمتلك ترون خبرة واسعة من عمله في «لويس فويتون» و«جيفنشي» و«بالنسياقا» و«سان لوران»، وهو خريج أكاديمية أنتويرب. (المصدر)

كشفت شركة «فالوينس» اليابانية في طوكيو عن الحقيبة الأصلية التي صُمّمت خصيصًا للنجمة الراحلة جين بيركن، وذلك بعد شرائها في مزاد «سوذبيز» بباريس مقابل 8.6 مليون يورو، وهو رقم قياسي لحقيبة يد. وتعود قصة ابتكار الحقيبة إلى عام 1984 حين طلبت بيركن من جان لويس دوما، المدير التنفيذي لـ«إيرميز»، حقيبة أنيقة وعملية أثناء لقائهما على متن طائرة، فقام برسم تصميمها فورًا، لتتحول لاحقًا إلى أحد أشهر حقائب العالم. وقال شينسوكي ساكيموتو، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لـ«فالوينس»، إن قيمة الحقيبة تكمن في قصتها ومعناها لا في سعرها، مؤكّدًا أن الشركة ستعرضها في المتاحف بدلًا من إعادة بيعها. (المصدر)

فريق التحرير: غادة الناصر، هاجر مبارك، منار الأحمدي، وجدان المالكي

منسوج، نضعك في قلب مشهد الأزياء السعودي


كن أول من يعرف

تحديثات أسبوعية تبقيك في صدارة أخبار وثقافة الأزياء السعودية


Comments

or to participate


آخر الأخبار

No posts found