- نشرة منسوج
- Posts
- جيل الألفية والموضة: من يؤثر في من؟
جيل الألفية والموضة: من يؤثر في من؟
هل نختار ملابسنا...أم تختار هي شخصياتنا؟

في كل زمن، كان للملابس وظيفة تتجاوز الحماية من البرد والحر. كانت بشكلٍ أو بآخر، مرآة اجتماعية تعكس مكانة الفرد أو انضباطه أو حتى خضوعه. لكننا اليوم أمام جيل يرتدي ما لا يُقال، ويتحدث بثياب لا تطلب صوتًا. فجيل الألفية لا يلبس كما لبس من قبله؛ هو لا يُلبس، بل يلبّس نفسه معاني ودلالات تتغير كما تتغير الترندات

الدراسة التي قدّمتها الباحثة الإندونيسية «إلفا غوستياني» تفتح نافذة ذكية على هذا التحوّل، مستندة إلى نظريات رولان بارت في السيميائيات، لتقرأ الموضة لا كمجرد موضة، بل كـ لغة بصرية مليئة بالرموز والطبقات. الثياب هنا لا تُستهلك، بل تُنتج وتُعبّر وتُحاور. اللون ليس لونًا فقط، بل موقف. القصّة ليست تصميمًا فقط، بل سلوك اجتماعي. والخامة، في سياق ما، تصبح هويةً محمولة على الجسد
ما يميز جيل الألفية عن الأجيال التي سبقته، هو أن الجيل السابق اعتاد أن يُلبّس ليشبه مجتمعه، ليخفي، لا ليُظهر. اللباس كان طقسًا من طقوس التماثل مع الجماعة، والخروج عنه يهدد بوصمٍ اجتماعي مباشر. لم يكن من المقبول أن يلبس الشاب ما يُظهر هشاشته، أو أن تلبس الفتاة ما يُبرز قوتها، لأن اللباس كان يُفهم كتصريحٍ غير مرحب به، كفعل مقاومة
لكن «إلفا» تُظهر أن جيل الألفية لا يحتمي بالملابس، بل يهاجم بها. إنه يستخدمها ليقول "أنا لست نسخة من أحد". يعيش هذا الجيل على تقاطع لافت بين المحلي والعالمي، بين الهوية الأصلية والهوية المصنّعة رقمياً. يلبس تيشيرت من علامة أمريكية، ويضع عقداً صنعته أمه في قريتها. هذه التوليفة ليست ارتباكًا، بل نوع من الذكاء الاجتماعي البصري. إنها مفاوضة صامتة بين الأصالة والتجريب

من عرض التعاون لعلامة أديداس وكاف باي كاف، حقوق الصور تعود للثقافية أزياء
وحين يتأمل الإنسان في سلوك النشر اليومي للصورفي إنستغرام وتيك توك على وجه الخصوص، يلاحظ شيئًا فريدًا: لا أحد يصور نفسه كما هو، بل كما يريد أن يُرى. «إلفا» تشير إلى أن جيل الألفية يصنع ذاته البصرية يومًا بيوم. يختار ملابسه، يلتقط صورته، يفلترها، يشاركها، وينتظر. ينتظر تفاعلًا، اعترافًا، أو صمتًا قد يعني رفضًا. كل هذه الدورة لا تهدف فقط لإظهار الشكل، بل لإعادة تشكيل المعنى: من أنا؟ وكيف أبدو؟ وماذا تقول ملابسي عني في هذا الفضاء المفتوح؟
وفي هذه النقطة تحديدًا يتعمق التباين بين هذا الجيل ومن سبقه. فالصورة اليوم ليست مرآة بل منصة. الثياب لم تعد تابعة للسياق الاجتماعي، بل منشئة له. الفرد لا يلبس ليكون جزءًا من الجماعة، بل ليعرّف الجماعة به. إنه لا ينصاع، بل يؤلّف شكله الخاص. وهذا التحوّل من الامتثال إلى التمثيل، من الاتباع إلى التعبير، هو جوهر الموضة عند جيل الألفية، كما تراه «إلفا» الباحثة

لكن يبقى السؤال الصعب دون إجابة واضحة: هل نرتدي لنُرى أم لنَختفي؟ فبينما يبدو هذا الجيل أكثر جرأة وتعبيرًا، إلا أن الدراسة تلمّح إلى أن خلف كل "ستايل" جريء، قد يوجد قلق أعمق. هل ما نرتديه يعكسنا فعلًا، أم يحجبنا عن أعين الآخرين، وحتى عن أنفسنا؟ هل هذه الجرأة حقيقية، أم قناع من الحرير والفلتر، يخفي هشاشة لم تعد تجد لها لغات تتكلم بها سوى الصورة؟
الملابس عند جيل الألفية، كما تصفها الباحثة، هي اعتراف بصري. كل قطعة تختار، كل «لوك» يُرتدى، هو أداء لهوية تتشكل، تُختبر، تُعدّل، ثم تُعاد مشاركتها. ولعل هذا هو المعنى الحقيقي للحرية هنا: أن لا تكون كما يريد الآخرون، ولا حتى كما كنت بالأمس، بل كما تختار أن تكون اليوم، ولو لحظة، أمام عدسة، في منصة، بفستان، أو بجاكيت واسع… تصنع به حكايتك كما تريدها أن تُفهم
.هذه المقالة بدعم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) وصندوق التنمية الثقافي

مصطلح اليوم
الـ «Double face» مصطلح إنجليزي يُطلق على الكساء ذي الوجهين، حيث يمكن ارتداؤه من الجهتين، ويُخاط بدون بطانة تقليدية. ويُقابل المصطلح الإنجليزي في اللغة العربية «المُـوَجَّـه». وكان يُعد قديمًا من الأزياء الفاخرة التي ارتبطت بالطبقات المُترفـة لدى العرب، كما فضّله الفرسان والمسافرون؛ نظرًا لإمكانية ارتدائه على أكثر من جهة دون الحاجة إلى حمل ملابس إضافية
كيف كانت النشرة اليوم؟ |
📩أخبـار تهمـك
أسبوع الموضة في الرياض يفتح التسجيل: الهيئة تعلن شروط المشاركة، أبرزها الابتعاد عن المضامين السياسية

فريق التحرير: غادة الناصر، سفر عياد، بلسم الغشام، هاجر مبارك، وجدان المالكي
منسوج، لكل ما يخُص قطاع الأزيـاء المحلي
Reply