🧠هل صارت الموضة تسرق راحتنا؟

متى تصير الملابس عبء ذهني؟

في عالمٍ تُستبدل فيه الصيحات كل بضعة أسابيع، وتتجدّد المعايير الجمالية بشكل متسارع، لم تعد الملابس فعلًا بصريًا فحسب، بل أصبحت قرارًا نفسيًا متكررًا، ومجالًا يوميًا للمفاضلة بين الراحة والانتماء، التعبير والتكيّف، الذات وما يتوقّعه الآخرون. وهذا ما تتبناه دراسة حديثة من الهند، حاولت فهم العلاقة بين اختيارات الملابس، تقدير الذات، والحالة النفسية، من خلال مفاهيم مثل «الذات المثالية»، و«الاستدامة الذهنية»، و«اللباس كوسيلة للتعبير

تبيّن نتائج الدراسة أن ما نرتديه غالبًا لا يعكس من نحن عليه فعلًا، بل من نود أن نكونه. في كثير من الأحيان، نُلبس أنفسنا الصورة التي نرغب أن يرانا بها الآخرون. وتُعرف هذه الحالة علميًا باسم التطابق مع الذات المثالية، وهي رغبة الفرد في أن يظهر مطابقًا لصورة ذهنية مثالية يحملها عن نفسه. الملابس هنا لا تكون مرآة، بل مرشدًا داخليًا يقود اختياراتنا اليومية في محاولة للاقتراب من هذه النسخة المثلى

لكن التوتر يبدأ حين تطول الفجوة بين هذه الذات المثالية والواقع. ومع التعرض المستمر لصيحات الموضة المتجددة التي تصنعها الصناعة بوعيٍ لتغذية الاستهلاك، يشعر كثيرون بأنهم في سباق لا ينتهي، سباق يحتاج جهدًا ذهنيًا مستمرًا لاتخاذ القرار المناسب، للظهور اللائق، للمجاراة، أو حتى للاختلاف المُدروس. ومع الوقت، قد يتحول هذا الضغط إلى ما يمكن تسميته بـ«الإرهاق البصري الذهني»؛ إحساس خفي بالتعب الناتج عن تكرار الخيارات اليومية أمام الخزانة، والتقييم المستمر لما إذا كنا نبدو كما ينبغي

ومن هنا، تتفرّع الاستجابات: فبينما ينخرط البعض في متابعة هذه الصيحات بشغف قد يكون مصدرًا للمتعة، ينسحب آخرون تمامًا من المشهد. وتبرز في هذا السياق ظاهرة لباس تُعرف باسم الأسلوب الاعتيادي، أو ما أصبح يُشار إليه عالميًا بمصطلح «نورم كور». يقوم هذا النمط على التخفف من كل ما هو "مميز بصريًا"، والعودة إلى طقم واحد، بسيط، متكرر، لا يلفت الانتباه ولا يحتاج لقرار. هذا ما اتبعه مثلًا مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك، الذي عرف عنه ارتداء القميص الرمادي ذاته يوميًا، كنوع من التبسيط الذهني وتقليل التشتيت. الهدف هنا ليس رفض الموضة، بل تقليل أثرها الذهني: قرار أقل، جهد أقل، ذهن أوضح

وإذا كانت هذه الاستجابة تعكس رغبة في الانسحاب من ضغط الاختيار، فإن استجابة أخرى ظهرت في الاتجاه المعاكس: الاستعانة بـمنسقي الأزياء، وهم أشخاص يُوظّفون أو يُستشارون لمساعدة الأفراد على اتخاذ قرارات لباس تعبّر عنهم، دون أن تستهلك طاقتهم النفسية. في بيئة تزدحم بالخيارات وتتصاعد فيها معايير الظهور، أصبح منسق الأزياء أشبه بـ«مدير للهوية البصرية»، يُخفف الحمل الذهني عن الفرد، ويوجه ذائقته نحو ما يليق به دون أن يرهقه بالسؤال اليومي ماذا ألبس؟

تظهر الدراسة أن العاملين الأكثر تأثيرًا على الراحة النفسية لم يكونا الصيحات ولا العلامات التجارية، بل «الملاءمة الذاتية» و«الراحة الجسدية». حين يشعر الفرد أن لباسه يعبّر عنه ويمنحه راحة ملموسة، يرتفع تقديره لذاته وتتحسن علاقته بجسده. أما المبالغة في محاولة التماهي مع معايير خارجية فقد تؤدي إلى نتائج عكسية، لا سيما عند من لديهم حساسية تجاه التقييم الاجتماعي أو صراع داخلي مع صورة الجسد

الملفت أن المفهوم الجديد لـ«الاستدامة» لم يعد يرتبط فقط بالبيئة، بل دخل مجال الاستهلاك النفسي: الاستدامة الذهنية تعني اختيار اللباس بوصفه قرارًا واعيًا، لا تابعًا، يقلل من التوتر بدل أن يزيده، ويمكّن الشخص من بناء علاقة صحية مع نفسه ومع جسده. اختيار الملابس إذًا لم يعد فعلًا ماديًا فقط، بل قرارًا عقليًا يحمل بين طياته مفاتيح التوازن أو الفوضى

وفي خضم هذه الفوضى المنظمة التي تُدعى الموضة، يبدو أن الأمر لا يتعلق بما نرتديه فقط، بل بكيف ولماذا نرتديه. أهو تعبير؟ أهو تهرب؟ أهو رسالة؟ أم ببساطة، محاولة لقول: هذا أنا، كما أراه، لا كما يُفترض أن أكون؟

هذه المقالة بدعم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) وصندوق التنمية الثقافي

مصطلح اليوم

البُـكلة كلمة فرنسية دخلت العربية حديثًا، وتُطلق على حِلية معدنية تثبت على الشعر، ويقابلها في اللغة العربية الفصحى «المِـشبك». ‏كما يوجد في العربية الفصحى أيضًا كلمة «بِـكلة» بكسر الباء، وهي تعني الهيئة أو خِلقة الشخص وأسلوب لبسه

كيف كانت النشرة اليوم؟

Login or Subscribe to participate in polls.

📩أخبـار تهمـك

فريق التحرير: غادة الناصر، سفر عياد، بلسم الغشام، هاجر مبارك، وجدان المالكي

منسوج، لكل ما يخُص قطاع الأزيـاء المحلي

Reply

or to participate.