- نشرة منسوج
- Posts
- حين يعود بندول الأزياء إلى الأصل
حين يعود بندول الأزياء إلى الأصل
هل تعود الحرفة لتقود الموضة؟

في منتصف القرن العشرين، كانت خياطة الثوب أو فستان السهرة مشروعًا شخصيًا: تُختار الخامة بعناية، يُرسم التصميم يدويًا، وتُقاس الأجساد لتُفصّل لها القطعة كأنها امتداد لها. لم يكن اللباس مجرد سلعة، بل تعبيرًا عن علاقة حميمية بين الشخص وما يرتديه. لكن مع تصاعد الثورة الصناعية ومن بعدها العولمة، بدأت الموضة تنزلق تدريجيًا نحو الإنتاج السريع، والوفرة المفرطة، والاستهلاك اللامتناهي

ظهرت علامات «الموضة السريعة»، وانتقل اللباس من كونه حاجة إلى كونه عادة يومية للاستهلاك. قطعة جديدة كل أسبوع، وموضة تتبدل كل شهر، وسلسلة لا تنتهي من الترغيب والاندفاع. لكن كما هو الحال في كل ظاهرة اجتماعية، حين يبلغ البندول أقصى حركته... يبدأ بالعودة

هذا ما نشهده اليوم في عالم الأزياء: عودة متأنية نحو الحرفة، نحو القطعة المصنوعة بصبر، ذات القصة، اللمسة، والعُمق. لم تعد الموضة السريعة مغرية كما كانت، بل باتت مصدرًا للتعب. القطع تتشابه، تبهت، تتلف سريعًا، وتُستبدل بلا قيمة. ومع الزمن، صار المستهلك يشعر بأنه لا يرتدي شيئًا، بل يستهلك نفسه مع كل دورة شراء
ولأن البندول الاجتماعي يميل دومًا للتصحيح الذاتي، ظهرت اليوم موجة تقدير لليد، وللزمن، وللإتقان. في المقاهي والمعارض ومنصات التصميم، تتكرر كلمات مثل: «مصنوع يدويًا»، «مصدر محلي»، «نُسج على مهل»، «قطعة واحدة فقط». هذه ليست شعارات تسويقية، بل رد فعل ثقافي عميق تجاه الإنهاك البصري والزمني الذي سببته الموضة السريعة

تشير بيانات سوقية حديثة إلى أن حجم سوق الحرف اليدوية عالميًا تجاوز 906 مليار دولار في عام 2024، ويتوقع أن يبلغ 1.94 تريليون دولار بحلول 2033 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 8.8٪، وفق تقرير «قلوب نيوزواير». أما في الولايات المتحدة وحدها، فقد قُدّر حجم السوق بـ268 مليار دولار، ويُلاحظ أن نحو 32٪ من مشتري الحرف اليدوية ينتمون إلى جيل الألفية و«جيل زد»، مما يدل على تزايد واضح في تقدير الأجيال الشابة للمنتجات ذات القيمة المعنوية والحرفية
في المملكة المتحدة، تضاعف عدد الشباب الذين يفضلون شراء المنتجات المصنوعة يدويًا منذ 2006، وتشير دراسة لمنصة «منتل» إلى أن 85٪ من جيل الألفية يفضلون المنتجات المصنوعة بمسؤولية واستدامة

حتى الجيل الجديد، الذي وُلد في ذروة السرعة الرقمية، بدأ يميل إلى القطعة ذات القصة، لا القطعة ذات الوسم. بات من الشائع أن نرى شابات وشبان يتجهون لحضور ورش الحياكة، أو يتفاخرون بارتداء قطعة صنعتها أمهم أو جدتهم، أو يبحثون عن علامات تحاكي الحرفة التقليدية بجودة عالية. الجودة، لا الكمية، عادت لتكون مقياس الجمال والرضا
هذا الانعكاس ليس حنينًا للماضي بقدر ما هو تعبير عن الوعي. فصناعة الأزياء التقليدية (رغم محدودية أدواتها) كانت أكثر احترامًا للإنسان والموارد: لا هدر، لا فائض، لا استعباد لعمالة. فقط قطعة تُفصّل لجسد محدد، تُرتدى بحب، وتُرمم عند الحاجة
وسط هذا التقلّب، باتت صناعة الأزياء تتساءل: هل نواصل الإنتاج والاستهلاك بلا وعي، أم نعود إلى اختيارات مدروسة تحمل قيمة وجودة؟ وفي هذه اللحظة، يبدو أن التركيز يتحوّل من الكثرة إلى المعنى، من شراء سريع، إلى علاقة أطول عمرًا مع ما نرتديه
.هذه المقالة بدعم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) وصندوق التنمية الثقافي

مصطلح اليوم
كلمة «جوانتي» دخلت اللغة العربية حديثا واصلها من «كوانتي» وهو مصطلح من أصول ايطالية واسبانية. ويطلق على كل ما يلبس باليدين لحمايتها من البرد أو لأغراض عملية وزخرفية
ويقابلها في اللغة العربية الفصحى مصطلح «القفاز» وفي العامية مصطلح «الدسوس» وهي كلمة معربة من «الدست بان» الفارسية والتي تعني القفاز الطويل المصنوع من الحديد ويرتدى عادة في الحروب
كيف كانت النشرة اليوم |
📩أخبـار تهمـك

فريق التحرير: غادة الناصر، سفرعياد، بلسم الغشام، هاجر مبارك، وجدان المالكي
منسوج، لكل ما يخُص قطاع الأزيـاء المحلي
Reply